المؤمن يعتمد على الله في كل أموره ويحسن الظن بالله ويعلم أنه ما قدّر له
لا بد أن يراه ولو كان قابعاً في بيته، قال تعالى: " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ".
يترتب على التطير والتشاؤم كثيراً من اليأس والضرر من إحباط للعزيمة
وتوقف حركة الحياة. إن من خطورة التطير إحباط العزيمة والعيش وسط أوهام
وتخيلات قد تقضي على سعادة المرء ومستقبله،
وقد عدّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الطيرة من الجبت،
الذي هو السحر فقال: "العيافة والطيرة والطرق من الجبت"
فقال يذهبه الله بالتوكل: "فإذا عزمت فتوكّل على الله إن الله يحبّ المتوكلين"، 159- آل عمران. وقال تعالى: "إن يمسسك الله بضرّ فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا رادّ لفضله"، يونس. وقد أُمر المؤمن بحسن الظن بالله تعالى، والتوكل عليه كما جاء في عدة آيات من القرءان منها قوله تعالى: "وعلى الله فليَتَوَكَّلِ المؤمنون"، وقوله تعالى: "ومن يتوكَّلْ على الله فهوَ حَسْبُه"، وفي قوله تعالى: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ المتوكِّلين " 159- آل عمران.
التطيّر كان مسيطراً على عقول العرب قبل الإسلام.
والتطيّر هو التشاؤم حيث كان الناس وما زالوا يتشاءمون من الغراب والبوم ونحوهما ،
وكان العرب يستشئمون من شهر صفر،
ويقولون هو شهر الدواهي إلى غير ذلك من الأضاليل.
كلمة تطيّر مشتقة من الطير، وكان الواحد من أهل الجاهليّة إذا خرج لأمر
استعمل الطير فإن رأى أن الطير طار يمنة تيمن به واستمر،
وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع عن أمره ، وكانوا يسمون الطائر
أو الحيوان الذي يأخذ ذات اليمين بالسانح، ويسمون الذي يأخذ ذات الشمال بالبارح ويتشاءمون منه.
فالتطير ورد ذمّه في القرءان، فقد أخبرنا الله أن فرعون وقومه لما تطيروا بموسى ومن معه
فوصفهم بقوله تعالى : "فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ"، 131 الأعراف.
وتشاءم قوم صالح بصالح: "قالوا اطّيرْنا بكَ وبمنَْ مَعَك"، 47- النمل،
فرد عليهم نبي الله صالح: "قال طائرُكُمْ عندَ الله"،أي أن يجازيكم على ذلك،
وأراد المشركون في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم ، أيضاً أن يوهموا الناس أن ما أصابهم من مصيبة فهو بسبب اتباعهم له فنزلت الآية قال تعالى : "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، 51- التوبة.
كما قال تعالى عن أعداء رسوله:
0(وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ) النساء- 78،
وقال أيضاً: إن الأرزاق تتبعكم وهذه كقوله تعالى: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ"، 13- الإسراء. أي ما يطير له من الخير والشر فهو لازم له في عنقه.
وبمجيء الإسلام قضى على كثير من الخرافات التي كان يؤمن بها العرب في الجاهلية، فأخبرهم بأن كل ما يعترض حياتهم من خير أو شرّ قليل أو كثير وما يصيبهم من بلاء ومرض ونقص في الأموال والأنفس والثمرات هو بمشيئة الله تعالى وقضائه وقدره.
فنفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يعتقده أهل الجاهلية في تأثير الشهور والأيام في جلب الخير أو وقوع الشر، وأخبرهم بأن شهر صفر كغيره من الشهور لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضرّ، وكذلك الأيام والليالي والساعات لافرق بينها، لا كما كان يظن أهل الجاهلية من نحس يوم الأربعاء، ويتشائمون من الزواج في شهر شوال، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر"، وكانت العرب تعتقد أن عظام الميت وروحه تنقلب إلى هامة تطير. بعض الناس قسموا الأيام والساعات الى أيام نحس وأيام سُعود، بل ادَّعوا أن القرءان أرشد الى مثل هذه المقولة بقوله تعالى في وصف العذاب الذي نزل بقوم عاد: "فأرسَلْنا عليهِم ريحاً صرصراً في أيامٍ نَحِسَات"، بينما حادثة عاد استوعبت أيام الأسبوع كلها كما قال تعالى: "سخَّرها عليهِم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حُسُوما".كما يعتقد أهل أوروبا بأن يوم الثالث عشر هو يوم نحس، والحق أن كل الأيام سواء، ولا اختصاص ليوم بنحس.
علاج التطير كما أخبر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم ،أن لا يصدنا عما عزَمْنا على فعله،
وأن نمضي مستعينين بالله متوكلين عليه : "اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوّة إلا بك".
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: "من ردَّته الطِّيرة عن حاجته فقد أشرك"
وكفارة ذلك: "أن تقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك. "
وكما جاء في الحديث النبوي: "الشؤم في ثلاث الدار والمرأة والفرس"، وهذا يباح الفرار منه ليس من باب الطيرة بل لما يعانيه كلما قارب وساكن هذه الدار أو عاشر تلك الزوجة أو اقتنى هذه الدابة. والمراد بالشؤم هنا هو عدم الموافقة والانسجام مع هذه الأمور بعد ثبوت الأدلة على وقوع الضرر، والتحول عن هذه الأمور ليس من باب أنها هي التي تضرّ وتنفع
فالضار والنافع هو الله، إنما من باب تهيئة الأسباب الجالبة للسعادة. والابتعاد عن التطير والتشاؤم الذي قد يؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك وهو اليأس والإحباط وعدم الرضا بقضاء الله تعالى وقدره.
قال تعالى: "فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".
الفأل: هو الكلمة الحسنة يسمعها الإنسان يستبشر بها، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا عدوى ولا طيرة،ويعجبني الفأل . قالوا وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة".
الفرق بين الفأل والتطير،
والسرّ في استحباب الأول وتحريم الثاني، وقد أجاب ابن الأثير عن هذا بقوله :"استحباب الفأل فيما يرجى وقوعه من الخير، ويحسن ظاهره ويسرّ، وتحريم الطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، وفيها سوء الظن، وقطع الرجاء، وتوقع البلاء وقنوط النفس من الخير، وذلك مذموم بين العقلاء، منهي عنه من جهة الشرع.
إن التشاؤم سوء ظنّ بالله تعالى،بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن الظنّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظنّ بالله تعالى على كل حال، وعليه فالمؤمن لا يتطير، يعيش حياته آمناً مطمئناً،يعلم أن ما أصابه ما كان ليخطأه وما أخطأه ما كان ليصيبه،وهو يعلم الى من يلتجأ عند الشدة، وبمن يستجير إذا خاف على نفسه من عدوّ يتربص به، قال تعالى: "أمَّنْ يُجِيبُ المُضْطرَّ إذا دعَاهُ ويَكْشِفُ السّوء"،!؟
وقال كذلك: "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، 107- يونس.
هذه هي القواعد التي تمضي بالمؤمن نحو حياة موفقة وسعيدة ومستقرة، لا يشوبها خبر سيء، أو كلمة منجم،أو صوت غراب، أو رؤية بوم،إلى غير ذلك من أنواع التطير التي تعطل حركة الحياة.
بل إن أمر المؤمن كله خير إن مسته سرّاء شكر وإن مسته ضرّاء صبر وفي كلٍّ خير.الشؤم ضد اليُمن الذي هو البركة، ويقال رجل مشؤوم أي جر الشؤم عليهم، ورجل ميمون أي جر الخير والبركة واليُمن على قومه، أي من يجر النقص والشؤم على نفسه، وما يسمى بالنظرة السوداوية إلى النفس بأنه مشؤوم وسيء الحظ.
الطائر عند العرب الحظ وهو الذي تسميه العامة البخت. التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال.
من آثار التشاؤم كثرة الوساوس والشيطان، والمتطير متعب القلب، منكد الصدر، أشد الناس خوفاً، وأنكدهم عيشا ً، وكم قد حرم نفسه من حظ، ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة، صاحبه لا يرتقي نحو تحسين أحواله، وتصحيح مفاهيمه، ومعرفة نقاط الضعف من القوة في جميع تصرفاته،نظرته للآخرين قاسية، في مؤخرة الركب ولا يرغب في التغيير، ويعتبر نفسه دائماً هو الضحية، فيصاب بعمى الألوان وبالأصح بعمى القلوب، قال تعالى : "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"، 46- الحج.
فيتصور أن كل الناس يعيشون حياة السعادة دون تعب ولا كدر ولا حزن ولا هم، وما علم أن هذه يستوي فيها الغني والفقير، والعظيم والحقير، والصغير والكبير. قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)، البلد:4،
"يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ"، 6- الانشقاق.
وبدلاً من بذل الجهد في معرفة مصالحه وأحواله ونقائصه ونقاط ضعفه، تجده يصرف جهده وطاقته في مراقبة الناس فيتولد عنده الهم كما قيل من راقب الناس مات هماً، ثم تنشأ عنده الغيرة وتنفذ وتأكل قلبه حتى يبغض كل من حوله. "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً"، وكذلك "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام". ولو راجع المتشاءم نفسه وتدبر كتاب ربه لوجد العلاج،
يقول تعالى:" وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُواْ عَن كَثِيرٍ"، 30- الشورى، و قال : "ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِ والبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ"، 41- الروم.
التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع. فأين هذا من الفأل الصالح السار للقلوب، المؤيد للآمال،الفاتح باب الرجاء،المسكن للخوف، الرابط للجأش،
الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه، والاستبشار المقوي لأمله السار لنفسه فهذا ضد الطيرة،
فالفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك فلهذا
استحب الفأل وأبطل الطيرة. و ان من أسباب التشاؤم هو عدم الرضا بقضاء الله وقدره، عدم مشاهدة نعمة الله عليه في نفسه وأهله، سوء الظن بالله واعتراض على أمره وحكمه وحكمته، جعل الدنيا أكبر همه،النظر إلى من فوقه ومن فضل عليه، سوء الظن بالآخرين وأنهم لا يستحقون ما حصلوا عليه، الجهل وضعف العقل، ضعف الإيمان وقلة ذكر الله تعالى.